الورقة التأطيرية
مدفوعة بإكراهات مركبة، بعضها طبيعي والآخر بشري، تشهد البيئة بالوطن العربي دينامية متسارعة، تحمل بين ثناياها العديد من التحولات المجالية والمجتمعية العميقة، والتي تزداد حدتها على وجه الخصوص بالأوساط الجافة وشبه الجافة المتسمة بهشاشة مواردها الطبيعية.
هكذا وبحكم الامتداد العرضي للوطن العربي والذي جعل 80% من مساحته ترزح تحت وطأة المناخ الصحراوي، فإن تبعات هذا الأمر تبدو جلية، سواء على مستوى تصحر الأراضي وندرة الموارد المائية السطحية منها أو الباطنية، أو على مستوى خصوبة التربة وهشاشة التشكيلات النباتية التي يغلب على معظمها الطابع السهبي المتكيف مع خصوصيات المنطقة القاحلة.
في هذا السياق، أضحى تأثير التغيرات المناخية على الوطن العربي واقعا لا مناص منه، إذ تشير الدراسات بهذا الخصوص، أن الثلاثين سنة الماضية شهدت ارتفاعا محسوسا في الحرارة بالمنطقة العربية، وبوتيرة تزيد عن 50% مقارنة مع ما شهده العالم. وهو ما ينبئ بفقدان أزيد من 30% من التنوع النباتي والحيواني، ويهدد بالتالي الأمن الغذائي المحلي. فأصبحت العديد من الأوساط البيئية تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الآثار المدمرة لهذه التغيرات المناخية، خصوصا وأن 63% من الكوارث الطبيعية التي شهدتها المنطقة العربية خلال الفترة الممتدة ما بين 1981 و 2011 لها علاقة مباشرة بالسيول والفيضانات والعواصف والجفاف (البنك الدولي). فها هي السودان مثلا تشهد فيضانات جسيمة سنة 2020، أثرت على أزيد من 800 ألف شخص وأسفرت عن 100 قتيل، إضافة الى 125 ألف نازح بيئي (الأمم المتحدة). في مقابل ذلك عان المغرب سنة 2022 من جفاف حاد لم تشهد البلاد مثيلا له منذ 30 سنة، وما صاحب ذلك من تراجع مهول في حقينة السدود الكبرى، ومصير سوداوي للموسم الفلاحي الذي يعتمد في معظمه على التساقطات المطرية الخريفية والشتوية على وجه الخصوص.
ولم تكن طبعا الموارد المائية ببعيدة عن التأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية، خصوصا وأن المنطقة العربية لا تستحوذ إلا على 2% من حجم الموارد المائية المتجددة بالكوكب، ولساكنة تمثل أزيد من 6% من المجموع العالمي. إذ أكد التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020، أن متوسط النصيب السنوي للفرد من الماء لا يتعدى 650 متر مكعب، مع توقعات بنزول هذا المتوسط الى أقل من 300 متر مكعب بحلول عام 2050، مقابل 7000 متر مكعب كمتوسط عالمي (البنك الدولي). فباستثناء موريتانيا التي تعرف اكتفاء ذاتيا في مواردها المائية والتي تصل بها حصيلة الفرد الى أزيد من 2472 متر مكعب، فأن 19 دولة عربية أخرى تشهد عجزا مائيا بأقل من 1000 متر مكعب، بل وتصنف 13 دولة منها ضمن الدول التي تعيش فقرا مائيا حادا بأقل من 500 متر مكعب على غرار اليمن، والسعودية، وسلطنة عمان، والكويت، والإمارات، وقطر، والأردن.
أرقام وإحصاءات دقت ولا زالت تدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالأمن المائي العربي، والذي أصبح معه البحث عن حلول مبتكرة ومستدامة لهذه الأزمة أمر لا محيد عنه، وهي الحلول التي لا بد وأن تنطلق من ضرورة تغيير أنماط الإنتاج الاقتصادي القائم على الأنشطة الزراعية التي تستهلك لوحدها 81% من حجم المياه بالوطن العربي (التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2021)، إضافة الى تعميم تجربة المياه المحلاة وتوسيع دائرة البلدان المستفيدة منها، في ظل انفتاح غالبية الدول العربية على العديد من المسطحات المائية.
إن مظاهر الإكراهات البيئية بالوطن العربي لا تختزل فقط في بعدها المائي، بل تتعداه الى البعد المجالي، من خلال التصحر السريع الذي أضحى معلما من المعالم الأساسية التي تطبع الأراضي الجافة وشبه الجافة بالمنطقة العربية. خصوصا وإذا ما علمنا أن التصحر يغطي حوالي 68% من المساحة الإجمالية لهذه المنطقة، ويهدد 20% من المتبقية منها (المنظمة العربية للتنمية الزراعية).
علاقة بذات الموضوع، يندرج هذا العمل والذي يحاول ملامسة نماذج محلية للإكراهات البيئية ذات الصلة بالتغيرات المناخية وتصحر الأراضي بالوطن العربي، في مسعى لتوفير رؤية شمولية عن هذه الإكراهات، وتقديم اقتراحات عملية وقابلة للتطبيق بهدف التخفيف من آثارها المدمرة.
المحاور الأساسية:
محور التغيرات المناخية
الأخطار الهيدرولوجية المرتبطة بالتغيرات المناخية بالوطن العربي
دورات الجفاف وانعكاساتها على الأمن المائي والغذائي بالوطن العربي
المقاربات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمخاطر التغيرات المناخية بالوطن العربي
محور الموارد المائية
تشخيص وضعية الموارد المائية بالوطن العربي
الموارد المائية: مجالات الاستعمال والاستهلاك بالوطن العربي
الموارد المائية: آليات الحماية والتثمين
المياه المشتركة بالوطن العربي: مقاربات جيو-ستراتيجية
محور التصحر
التصحر بالوطن العربي: الآليات والمظاهر وأشكال التكيف
التصحر بالوطن العربي: الكلفة الاقتصادية والاجتماعية
التصحر بالوطن العربي: إجراءات المكافحة والتخفيف والصمود
الهجرات البيئية والأمن الانساني بالوطن العربي
الهجرات البيئية والعدالة المجالية بالوطن العربي