شروط النشر

Arab Journal of International Law

Monday, March 7, 2022

قراءة في العدد السنوي الثاني من الكتاب العربي للقانون الدولي

ARJIL TM

 


قراءة في العدد السنوي الثاني من الكتاب العربي للقانون الدولي

 بورحيم ربيع  1

باحث في القانون العام والعلوم السياسية، المغرب

 

الكتاب العربي للقانون الدولي، مجلة سنوية محكمة تعنى بالقانون الدولي بكل جزئياته، وتمظهراته، وإشكالياته، وكل القضايا المطروحة على أجندة العلاقات الدولية من نزاعات ساخنة، وتهديدات أمنية، وبيئية، وتوازنات إقليمية ودولية، ومشاكل عابرة للحدود وغيرها. يُحلِّل في هذا العدد مجموعة من الباحثين من المغرب، تونس، الأردن، إيطاليا ومصر الكيفية التي يمكن للقانون الدولي من خلالها أن يشارك في خلخلة البراديغمات لفهم القضايا المعاصرة في المنطقة العربية، والنقد الابيستيمولوجي لعمليات التغيير في العالم العربي دون التقيد بمنهج معياري نمطي، والتعامل مع قضايا البيئة، والأمن الإنساني، وقضايا الهجرة وتغير المناخ، ودراسة وتمحيص الباراديغمات الفكرية والفلسفية والسياسية. وتُعد هذه الدراسة المتعددة المشارب والتخصصات، دراسة ابيستيمولوجية تنتج مقترحات ملموسة لإعادة دراسة تحديات القانون والعلوم الاجتماعية في المنطقة العربية. 

والواقع أن المنطقة العربية احتلَّت دائمًا موقعًا مميزًا في دائرة الاهتمامات العلمية للكتاب العربي للقانون الدولي، من مقاربات مختلفة قانونية وسوسيولوجية وسياسية وأنثروبولوجية وفلسفية. ففي البداية، تدعونا مريم محرز الاستاذة في جامعة القاضي عياض بمراكش إلى تحديد قانوني لمكانة المرأة اللاجئة والحماية المصاحبة لها. ففي الواقع، تقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عدد طالبي اللجوء بـ 4.1 مليون، وعدد اللاجئين بـ 20.7 مليون في عام 2021 (ضُعف العدد في عام 2003). وقد شكلت النّساء، في السنوات الأخيرة، نسبة كبيرة من اللاجئين في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن بحث النساء عن ملجأ هو ظاهرة قديمة، إلاّ أنه لم يحظ بالاهتمام إلاّ في نهاية القرن الماضي. وتشير الباحثة الى أنه بالرغم من أن القانون الدولي للاجئين محايد جنسانيا من حيث المبدأ، الاّ أن الحقيقة أن هذا الحياد في الواقع ينم عن عدم المعرفة بالاحتياجات الخاصة للمرأة الباحثة عن الأمن، ومن هنا أشارت الباحثة على أنه رغم محاولات إعادة دمج البعد الجنساني في القانون والسياسة الدولية لحماية اللاجئين، إلا أن هشاشة وضعهن تعرضهن للاستغلال والتحرش والمضايقات والعنف. 

وفي نفس الإطار، اقترحت انتصار بنصبيح، الباحثة في القانون الدولي بجامعة القاضي عياض، تفكيرًا أوسع في مسألة التهجير البيئي، حيث إن القانون الدولي لا يعترف صراحةً بفئة اللاجئين البيئيين (اتفاقية اللاجئين لعام 1951)، خصوصاً أن التهجير البيئي، يشكل تحديًا مستعجلا إضافيًا للأمن الانساني. حيث تتسبب الأضرار، والخسائر الناتجة عن التشرد البيئي في الفقر والجوع، وتهدد صحة الإنسان، كما أنها تعزز عدم المساواة بين البلدان والسكان. هكذا قامت الباحثة بدراسة التحديات، والقضايا المتعلقة بالتشرد البيئي من خلال النصوص القانونية على المستويين الوطني والدولي، وكذا ضمن السياسات العمومية، حيث يتمثل التحدي الحقيقي في تصورها، في بناء سياسات تساهم في الحماية القانونية والإنسانية للمهجرين البيئيين.

وفي مقال آخر تطرق الباحث سعيد التغبالوتي، وعبد الرزاق الوالي (جامعة القاضي عياض)، إلى الأدوات البيئية، والتنظيمية، والاقتصادية، واستيعاب العوامل الخارجية، حيث الهدف هو إصلاح الضرر الذي يلحق بالمجتمع، وبالتالي ضمان المستوى الأمثل للرفاهية الاجتماعية. وتعتمد فعالية الأدوات التي تطرق لها الباحثان إلى طبيعة الأداة أساساً، حيث إن الأداة التنظيمية تستوعب العوامل الخارجية السلبية، من خلال إلزام الشركات بالامتثال لتدابير الحماية من التلوث، علما أنها تظل غير فعالة نسبيًا لعدة أسباب. كما أن الأداة التنظيمية، كالضريبة، لا تشجع الشركات على الابتكار، واعتماد تقنيات أكثر كفاءة لتقليل مستوى التلوث بما يتجاوز مُستوى معيار الامتثال، كما يمكن أن يؤدي التباين في الإنتاج أو الطلب في الاقتصاد إلى تراكم التلوث الذي يمكن أن يتجاوز المستوى الاقصى، مما يتسبب في أضرار كبرى. 

ويشير الباحث وليد بن رحمة، الباحث بالمعهد العالي للدراسات القانونية بتونس، إلى حكامة الهجرة في القانون الدولي فميثاق مراكش 2018، يجسد خطوة مهمة في قانون الهجرة الدولي، حيث أنشأ إطارًا حقيقيًا للتعاون الدولي على أساس احترام حقوق الإنسان، وإبراز قضية تدبير الهجرة بالرغم من أوجه القصور المتأصلة بشكل أساسي في الطبيعة غير الملزمة للميثاق، مما يتعين عليه الانتظار لتقييمه، وتقييم مساهمته الحقيقية في حماية المهاجرين، وكذلك في إدارة الهجرة.

من زاوية أخرى، حول إصلاح النظام الأمني في إفريقيا: أي مساهمة من المغرب؟، يؤكد الباحث يونس زكاري بمعهد التعليم العالي للدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن إصلاح النظام الأمني عملية طويلة ومعقدة، لكنها تظل إلزامية لنجاح مسار التحول الديمقراطي والسلام الدائم في أفريقيا، ويتطلب تنفيذ هذا المشروع تنسيقًا حقيقيًا، بين مختلف الأطراف على المستوى الإقليمي والقاري، بناء على نهج أمنى متعدد الأبعاد، يتضمن إعادة هيكلة الأنظمة الأمنية وتعزيز المؤسسات، والحكامة الجيدة، وسيادة القانون. وأشار الباحث، إن المغرب لم يتردد في تبادل خبراته في هذا المجال، من أجل المساهمة في الجهود الهادفة إلى تعزيز جهاز الأمن في إفريقيا، خصوصا مع عودته إلى الاتحاد الأفريقي، والقطيعة مع فكرة أفريقيا قارة الفشل، وغياب الأمن، وتزايد الأزمات.

وفي محور آخر تطرق الباحث محمد البصري (وآخرون) بجامعة محمد الأول بوجدة، إلى موضوع ذي راهنية يرتبط بتأثير جائحة كوفيد 19 على قطاع السياحة المغربي، حيث تهدف الدراسة إلى صياغة تقرير عام عن تأثير الأزمة الصحية Covid-19، لمعرفة مدى تأثر القطاع السياحي وتقييمه. وقد اعتبر الباحثون، إن التقنيات والاستراتيجيات لترويج السياحة غير كافية، بل تتطلب إعادة نظر جوهرية، لذلك توجب إجراء تحليل وفهم عميقين للإمكانيات والموارد، بما في ذلك تقييم مصفوفة سووت (SWOT) لنقاط القوة والضعف، وكذلك وضع خطط واستراتيجيات مبتكرة، تتداخل مع مشاكل القطاع وصعوباته. لذلك أشار الباحثون على أنه يجب على الفاعلين المغاربة في مجال السياحة، إعادة النظر في استراتيجيتهم الإدارية بغية استفادة المغرب من القطاع السياحي بشكل أفضل، على اعتبار الإمكانات السياحية الكبيرة والمتنوعة التي يمكن استخدامها، بما في ذلك الصحراء والجبال والخطوط الساحلية، أو الثقافات المتعددة كالثقافات البدوية أو الأمازيغية.

وفي الجزء الخاص بالمساهمات باللغة العربية، يقدم إبراهيم تيكينت، الأستاذ الباحث في الاقتصاد والتسيير من جامعة القاضي عياض، دراسة أمبريقية، وفحصًا دقيقًا لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة في القطاع العام، بناء على مؤشرات، وارتكازا على نظريات، لتوضيح كيفية تطوير إطار نظري لتنفيذ استراتيجية الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة في القطاع العام، والتي ستمكن الحكومات من تحقيق التنمية المستدامة. وخلص الباحث الى أن إنجاح هذا الورش التكنولوجي الهام في القطاع العام لا يمكنه أن يستقيم الاّ إذا توافرت الإرادة الحقيقية للمدبر العمومي.

وفي مقال آخر، قدم الباحثان في العلاقات الدولية محمد أبوزيد من جامعة سانت اندروز في المملكة المتحدة وباولا كازانيلي أستاذة الإقتصاد السياسي، من جامعة أركاديا بإيطاليا، دراسة حول التعاون الاستراتيجي والعسكري بين الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي، ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ومستقبل التنافسات الجيوسياسية في فترة ما بعد الثورة (2011- 2021) ، استنادا الى نظرية التحالفات الواقعية، حيث اعتبر الباحثان أن دول الاتحاد الأوروبي (لاسيما إيطاليا، فرنسا وألمانيا) ارتكزت في التعاون مع دول الخليج، على الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية، واستهانت بالجوانب العسكرية والدفاعية، بالرغم من التهديدات المحيطة بمملكات ودول تلك المنطقة، خصوصا التهديد الإيراني. وأشار الباحثان إن الأزمات والانتفاضات، وعدم الاستقرار، شكلا دافعا قويا للتعاون الجيواستراتيجي بين مجموعات هذه الدول التي لا تستقر على توجه قطبي محدد، بسبب بنيتها، وهشاشتها، والتغيرات الجيواستراتيجية دولياً. 

ومن جانبه، يقدم لحسن الحسناوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، دراسة حول الانعكاسات واستراتيجيات التكيف، من خلال معالجة تأثير تغير المناخ على الوضع الأمني في المنطقة العربية. وأكد أن التهديدات والمخاطر الناجمة عن تغير المناخ، تجاوزت الأمن البيئي والمجتمعي والإنساني، وأصبحت تؤثر على الأمن القومي العربي، والاستقرار الداخلي للدول العربية، مما يستدعي انخراط الدول العربية بشكل أكبر في الارتقاء بقضية المناخ، وجعلها تحديا تنمويا أكثر من اعتباره إشكالا بيئيا. وهو نفس ما أشار إليه الباحثان، صالح العضايلة ورضوان محمود المجالي من جامعة موتة بالأردن، في دراستهما حول التداعيات الاقتصادية والسياسية لتغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط والأردن تحديدا. وخلصا إلى أن تغير المناخ ساهم في تراجع المؤشرات الاقتصادية للأردن، وقد يهدد الاستقرار خصوصاً مع الضغط على موارد الطاقة وعلى الماء.

وفي إطار مقاربة فلسفية لمفهوم وتجليات البيئة والسلام البيئي، أكد  أستاذ الفلسفة زهير لعميم على الحاجة إلى فكر فلسفي معاصر من زاوية أصلية، على اعتبار أن النهج الفلسفي للبيئة سعى إلى تأسيس خطاب إيكولوجي عميق، يتجاوز أزمات الحداثة، وإحياء الوازع القيمي والأخلاقي في جوهر الإنسان المعاصر، من خلال نقد التصورات والسلوكيات البشرية الخاطئة الهدامة، التي أدت الى كوارث إنسانية وبيئية، وبالتالي الحاجة الملحة الى السلام البيئي كضرورة لاستمرارية الحياة. وفي الأخير سلط الحسين شكراني (أستاذ القانون الدولي)، والباحث كمال حلمي (المهتم بالسياسات البيئية)، الضوء على موضوع ذي راهنية كبيرة، يرتبط بالحق في المعلومة البيئية في إطار القانون الدولي، والدعوة الى ميثاق دولي ضامن للحق في الوصول اليها.


تحميل PDF



ARJIL

Arab Journal of International Law

Copyrights @ 2020, Yara Help