شروط النشر

Arab Journal of International Law

الكتاب العربي السنوي للقانون الدولي
دعوة للمشاركة في العدد القادم
آخر أجل لاستقبال الأوراق البحثية النهائية هو 31 دجنبر من كل سنة

Saturday, April 20, 2024

دعوة للاستكتاب: مؤلف جماعي في موضوع "المنازعات المناخية"

ARJIL TM

 


مؤلف جماعي في موضوع "المنازعات المناخية"

دعوة للاستكتاب


إشراف الأستاذ رشيد صبيح والأستاذ الحسين شكراني

جامعة القاضي عياض، مراكش


يتميز العالم بأسره والقارة الأفريقية على وجه الخصوص بوضع إنساني حرج ومعقّد للغاية، إضافة إلى وجود صعوبات في الاستقرار الاجتماعي مع زيادة "الركود" الاقتصادي و"الاستبداد" السياسي، وسياق أمني متدهور بسبب النزاعات متعددة الأوجه والأبعاد. ومن بين هذه النّزاعات، الاشتباكات بين الدول والجماعات المسلحة (الحروب غير المتناظرة)، سواء كانت حركات وطنية أو تشكيلات إرهابية تخدم أهداف/أجندات عبر وطنية. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما تتخذ التوترات السياسية شكل مُظاهرات عنيفة، تُعبر عن مستويات مرتفعة من السّخط الشعبي بشأن القضايا السياسية الداخلية أو ضد سياسات وبرامج الحكومات؛ أما بالنسبة للعلاقات بين الدول، فإنها تبدو في المقام الأول موجهة نحو النزاع والصراع ولا تنحو نحو التّعاون أو التّشارك بشأن القضايا المشتركة، مما يجعل المفاوضات حول تدبير الموارد العابرة للحدود الوطنية أمرا صعبا للغاية.

وتُعرف المنطقة الإفريقية أيضاً بالصّراعات الطائفية ذات البُعد العرقي والإثني، لاسيما بين الرُّعاة والمزارعين وصيادي الأسماك؛ إذ تعتبر هذه الصراعات جزءاً من انعدام الأمن العام المتعلق بمعالجة أسباب الجريمة والاتجار عبر الحدود، بما في ذلك الاتجار بالبشر.

كما أن استجابة النّخب السياسية وكذلك السلطات الإدارية والقضائية في أفريقيا لتغير المناخ أو النزاعات ذات الصلة ضعيفة مما يؤدي زيادة حدّة الصراعات المحلية ووتيرتها. كما يمكن-واقعيا- أن يكون لسياسات التّخفيف من تداعيات التغيرات المناخية التي تتبعها السلطات المحلية آثار خارجية سلبية على البيئة والموارد الطبيعية وتُؤدي إلى عدم المُساواة وإلى نُشوب الصراعات المرتبطة بتهافت الشّركات المتعددة الجنسيات(TNC’s) على ما يسمى بسوق الكربون(Market Carbon) من أجل الحصول على "الحق في التلوث"، وشراء "حصص التلوث" من صغار الملوّثين. 

فالزراعة المعيشية هي الدّعامة الأساسية لاقتصاد العديد من الدول الإفريقية، فهي تضمن سُبل عيش جزء كبير من السكان؛ ومع ذلك، يشكل تغيّر المناخ مخاطر كبيرة على النظم الإيكولوجية الزراعية الإفريقية، وخاصة النظم الأكثر هشاشة. فالجفاف المستمر، مثلاً هو أكثر المخاطر المدمرة للسيادة الغذائية والأمن الإنساني. كما أثر هُطول الأمطار غير المنتظم والمنخفض على إنتاج الحبوب في الجزء الغربي من القارة الإفرقية وعلى حركية السكان المتنقلين الباحثين عن مناطق آمنة بيئياً، ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل حادّ، وهو الأمر الذي أدى إلى أزمة غذائية أثرت على الشّعوب الإفريقية؛ تحت تأثير حالات الجفاف القاسية، وكذلك ارتفاع درجات الحرارة ، إذ تعرضت معها زراعة الحبوب في القارة الإفريقية لخطر شديد؛ مما ستكون له نتائج عكسية بحيث ستنخفض المحاصيل الزراعية في القارة الإفريقية، وفي بعض المناطق خصوصاً الجنوبية منها، إذا ارتفعت درجة الحرارة العالمية بمستويات معيّنة، "فإن جميع مناطق الزراعات المعيشية ستصبح غير مجدية في عالم انتقل من الاعتماد على الحقل (بالتركيز على الزراعات المعيشية) إلى مفهوم المقاولة (أي الاهتمام بالربح والزراعات التسويقية).

ويميل هذا الضغط المناخي على الموارد المائية -وهو أمر ضروري للإنتاج الزراعي- إلى تعزيز المنافسة الشّديدة بين الدول على حماية أمنها الغذائي القومي؛ على سبيل المثال، التوترات المستمرة بين محوري مصر والسودان من جهة أولى، وإثيوبيا من جهة أخرى، ونهب الكيان الصهيوني للمياه العربية، ووجود أطماع خارجية من تركيا وإيران وتأثير ذلك على الأمن الغذائي في الدول العربية التي تعيش الانعزال والفوضى إلى حين. 

إن لكل مجال كيفما كان إيجابياته وسلبياته، فتغير المناخ واحد منها، إذ يعتبر من أهم القضايا المؤثرة على البشرية ومساسها مباشرة بحقوق الإنسان، فصعوبتها تكمن في أنها مورد حيوي رئيسي للكائنات الحية، ما يطرح بداية إشكالية المنازعات، والاختصاص القضائي، خصوصا وأن المسألة تدخل في إطار القضايا الأساسية للمنتظم الدولي.

إن من يعانون من النزاعات ليسوا فقط من بين الأكثر ضُعفا في مواجهة الأزمات المناخية والبيئية، بل هم أيضا من بين الأكثر إغفالا في العمل المتعلق بالاستجابة الفعالة للتغيرات المناخية، ويرجع ذلك جزئيا إلى التحديات التي يفرضها العمل في مثل هذه المناطق.

العدالة المناخية من أهم القضايا بل وفي مقدمة القضايا التي تطرح بشدة على صعيد الأجندات الدولية لا سيما تلك التي تتعلق بقضايا تغير المناخ . ويسعى منهج العدالة المناخية إلى التوفيق بين اعتبارين أحدهما، ضرورة التخفيف والحدّ من الغازات الدفيئة؛ وثانيهما، الحاجة إلى تغيير الأنظمة الموروثة لاستخراج المواد، ونقلها، وتوزيعها، وتوليد الطاقة، وإنتاج السلع، وتقديم الخدمات، و(تسهيل) طُرق الاستهلاك، وسُبل التخلص منها، وتغيير أنماط التمويل.

وتعد العدالة المناخية مزيجاً بين حقوق الإنسان وتغير المناخ، حيث تهدف في المقام الأول إلى حماية حقوق الإنسان التي قد تتأثر من جرّاء التغيرات المناخية، ولذا فإن العدالة المناخية تُعد أفضل وسيلة لتحقيق توزيع عادل في الأعباء والتکاليف بين الدول المتقدمة/الصناعية والدول الفقيرة.

في سياق العدالة المناخية، بدأت تنظيمات المجتمع المدني في الضّغط على الحكومات والشركات من أجل ثنيها عن زيادة الغازات الدفيئة. لذا توجهت إلى القضاء من أجل مُحاكمتها واستصدار قرارات ملزمة لها وفق مبادئ القانون الدولي للتغيرات المناخية، وإجبار الدول على الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال التغيرات المناخية. كما برزت أصوات أكاديمية تدافع عن الهويات المحلية في مجابهة الشركات متعددة الجنسيات (TNC’s)، ويمكن الإشارة هنا إلى المواطنة الكندية سيلا وات-كلوتييه في كتابها: الحق في البرد. قصة امرأة تدافع عن ثقافتها وعن القطب الشمالي وعن الكرة الأرضية بأكملها.

تعتبر قضية إيرغاندا(Urgenda) من أهم القضايا التي طرحت أمام القضاء الوطني في هولندا؛ ففي التاسع من أكتوبر 2018، أيدت محكمة الاستئناف في لاهاي حكم "المحكمة الابتدائية"، وبذلك خلصت إلى أن الحكومة الهولندية فشلت في تخفيض الغازات الدفيئة بنسبة 25% على الأقل بحلول نهاية العام 2020، إذ تصرفت الحكومة الهولندية بشكل غير قانوني، بما يُخالف واجبها في الحماية (Duty of care) بموجب مقتضيات المادة 2 و8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

أيضا قرار المحكمة الدّستورية الألمانية الفيدرالية في قضية (Neubauer)، الذي اعترف (في ربيع 2021) بــ"بتوفير المتبقى من الميزانية" (Residual Budget) لعملية إنقاص الغازات الدّفيئة، وأكّد القرار على ضرورة تقاسم هذا النّوع من الميزانية وتحمّله بإنصاف بين الأجيال في التّشريعات الألمانية والأوروبية. وأكّد القرار على اختصاص البرلمان (وليس الحكومة) في اتخاذ القرارات الأساسية في مجال حماية المناخ.


بناء على ما سبق، يمكن طرح المحاور التالية للاستكتاب:

  • المنازعات المناخية: مداخل متعددة؛

  • المنازعات المناخية: بين (غياب) النصوص وفشل الإرادة السياسية؛

  • المنازعات المناخية، هل من سوابق لتشكيل قواعد قانونية "جديدة"؛

  • المنازعات المناخية: دور الدّساتير الوطنية؛

  • دور التشريع المناخي في المنازعات المناخية؛

  • المنازعات المناخية: دور القاضي الوطني؛

  • المنازعات المناخية: دور الفقه الوطني والدولي؛

  • المنازعات المناخية: القاضي، وجدلية المحلي/الدولي؛

  • المنازعات المناخية: الاختصاص القضائي؛

  • المنازعات المناخية: التجارب الدولية/الإقليمية والصعوبات الوطنية؛

  • المنازعات المناخية: نحو إنقاذ الغطاء الغابوي؛

  • المنازعات المناخية: تدبير مخاطر الفيضانات؛

  • المنازعات المناخية: تغيرات الموارد المائية وأساليب تدبيرها؛

  • المنازعات المناخية: نحو تحقيق العدالة البيئية؛

  • المنازعات المناخية: التعويض عن الأضرار البيئية؛

  • المنازعات المناخية: الضرر البيئي والكلفة الاقتصادية؛

  • المنازعات المناخية: اليقظة البيئية في مواجهة تقاعس(Inaction) الدول والشركات.




 تواريخ تنظيمية:

  • 31 ماي 2024 آخر أجل لتلقي ملخصات الدراسات/ المقالات؛

  • 31 أكتوبر 2024 آخر أجل لإرسال الدراسات/ المقالات كاملة.


ملاحظة هامة: 

تُقبل الملخصات والدراسات/ المقالات كاملة باللغات: العربية- الإنجليزية- الفرنسية.


 للتواصل:

الأستاذ رشيد صبيح                                      sabihrachid@gmail.com

- الأستاذ الحسين شكراني                                 arjil.org@gmail.com






استكتاب [مؤلف جماعي]: القانون الدولي وسُؤال الفعالية

ARJIL TM

 


الورقة المرجعية:


القانون الدولي وسُؤال الفعالية

مؤلف جماعي


إشراف وتنسيق البزاز محمد وشكراني الحسين

***


تَشكَّل القانون الدولي عبر مراحل عديدة من عمليات تطور العلاقات بين الدول واتساع نطاقها، وتأثر مضمونه بمختلف التّحولات التي شهدها النظام الدولي. وقد لعبت القواعد القانونية الدولية دوراً هاماً لتنظيم مُختلف التّفاعلات داخل المجتمع الدولي ولضبط توازناته بترجيح كفّة التعاون على كفة الصّراع. وبما أن المجتمع الدولي متميز عن المجتمع الوطني، وأن كل مُجتمع يحتاج إلى قانون، وكل قانون هو نتاج اجتماعي، فقد تمّت صياغة أُسس القانون الدولي ونطاقه بشكل جاءت قواعده وآلياته تتّسم بخصوصية واضحة، وتُثبت وجود ارتباط وثيق بين هذا القانون والمجتمع الذي يُنظمه.

يُعد القانون الدولي منظومة قانونية فريدة من نوعها، تتضمن مجموعة من قواعد ومؤسسات وآليات تنظم بالأساس العلاقات بين الدول، التي تدعي لنفسها السيادة ولا تعترف بأية سلطة أعلى منها؛ ويُضفي هذا الادعاء على القواعد القانونية التي تضبط هذه العلاقات طابعاً خاصاً، يُميزها عن القواعد المتعلقة بالقانون الداخلي. فالأفراد في النظام القانوني الوطني يخضعون إلى إرادة الدولة التي تحتكر سَنّ التشريعات وتفرض احترامها من طرف الجميع وبمختلف الوسائل. في حين تضع الدول -وهي الأشخاص الرئيسية للقانون الدولي- بشكل جماعي وبعد الاتفاق فيما بينها، القواعد القانونية التي تُعبر عن مواقفها وتعكس مصالحها المشتركة، وتملك كل واحدة سلطة تقديرية لتأويل الالتزامات التي تترتب عنها وفي اختيار توقيت وطريقة تنفيذها.

ومنذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، والتبشير بنظام دولي جديد يهدف إلى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، أولت الدول والمنظمات الدولية أهمية كبرى للبحث عن التطوير المطرد للقانون الدولي، بالنظر للدور المتعاظم الذي يقوم به لتنسيق العلاقات بين الدول وتقنين أسس التعاون بينها، بل الدّفع بها نحو المزيد من التضامن بين مكونات المجتمع الدولي في الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وكان طبيعيا أن تتناسب هذه الأهمية المتزايدة للقانون الدولي مع الأهداف الكبرى التي يسعى لتحقيقها، حيث يعتبر هذا القانون إحدى الرهانات الكبرى التي تُواجه المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية في العصر الحالي. 

وهكذا خصصت منظمة الأمم المتحدة جانبا كبيرا من أنشطتها، لاسيما من خلال الصلاحيات التي مارستها "لجنة القانون الدوليILC"، لتدوين القانون الدولي والحرص على تطويره المطرد في مختلف المجالات، حتى يتعزز دور القانون في تنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين الدول.ذلك أن القانون الدولي ليس مجرد مجموعة من القواعد المجردة النظرية المخصصة للدول، بل هو لغة اتصال بين الفاعلين في النظام الدولي الراهن؛ وتهدف إلى تحقيق مقاصد الأمم المتحدة وإعمال مبادئها، وإقامة نظام عالمي يتجنب ويلات الحرب مستندا على سيادة القانون، وهو أمر لا غنى عنه من أجل إقامة التّعايش السّلمي والتعاون فيما بين الدول ذات السيادة.

وبناء على مبدأ السيادة، فمن المتعارف عليه هو عدم وجود جهاز دولي أعلى يفرض احترام القواعد القانونية الدولية أو يُشرف على تنفيذها، فالقانون الدولي هو أساساً قانون تنسيقي وليس قانون خضوع. ومع ذلك فقد استقر الرأي في العصر الراهن على أن قواعد القانون الدولي هي قواعد قانونية بالمعنى الصحيح وتتسم في مجملها بالإلزامية، مع مراعاة طبيعة المجال الذي تنطبق عليه. وقد اجتهد الفقهاء للبحث في الأسس الفكرية لتبرير الطابع الإلزامي للقانون الدولي، والمقصود هنا هو الأساس النظري، أما الأساس القانوني للإلزامية فيكمن في صلب المواثيق والأعراف الدولية. وقد انقسم الفقه الدولي إلى اتجاهين أساسيين: الاتجاه الموضوعي والاتجاه الإرادي؛ فالاتجاه الأول أرجع الطّابع الإلزامي للقانون الدولي إلى مبادئ القانون الطبيعي والشعور بالتضامن بين أفراد الجنس البشري كافّة، والاتجاه الثاني يعتبر أن الإرادة الصّادرة عن الدولة هي العامل الوحيد/الحاسم في تحديد الطابع الإلزامي للقاعدة القانونية الدولية.

ولا زالت قواعد القانون الدولي تشهد تطورا مستمــرا من حيث نطاقها ومضمونها، بما يتلاءم ومتغيرات النظام الدولي، ويُرافقه شعورًا عامًا بإلزامية القواعد الدولية، وتؤكد الممارسة القانونية للدول على وجود القانون الدولي وتبرهن على حقيقة رُسوخه في ضمير الناس وأشخاص المجتمع الدولي. فليس هناك دولة تُنكر وجود القانون الدولي بل بالعكس من ذلك، فجميع الدول كيفما كان نهجها السياسي ومستوى نُموها الاقتصادي تتمسك بهذا القانون وتستند عليه لتبرير سلوكها في الحياة الدولية. فتعامل الدول وجهودها المتتالية فيما يخص إبرام المعاهدات والإسهام في تكوين الأعراف الدولية، يشكل -بصورة عامة- اعترافا بإلزامية قواعد القانون الدولي؛ كما تنص معظم الدساتير العصرية على أن الدول تتعهّد بالسّير والتصرف في علاقاتها المُتبادلة وفق قواعد القانون الدولي ومبادئه.

وتعزز مسار دعم إلزامية القانون الدولي بإدراج مفهوم "القواعد الآمرة" Jus cogens في النظام القانوني الدولي، وذلك بمقتضى المادة 53 من اتفاقية فيينا لعام 1969 بشأن قانون المعاهدات وتكرس ذلك من خلال اجتهادات المحاكم الدولية. وهكذا بعد ما كان من المستقر تقليديا أن قواعد القانون الدولي تُعد متساوية في قيمتها القانونية وقُوتها الإلزامية، جاءت اتفاقية فيينا لتقيم نوعا من التراتبية بين القواعد الدولية الآمرة وغيرها من القواعد الدولية. وكان من بين آثار التكريس القانوني لمفهوم القواعد الآمرة هو التخلي عن المنظور التقليدي للقانون الدولي القائم على الفهم المطلق لسيادة الدول والرافض لفكرة النظام العام، بالمقابل اعتماد المنظور الحداثي والعصري الذي يُخول للقواعد الآمرة مكانة سامية في النظام القانوني الدولي، الذي أضحى يتسم بهرمية واضحة تتوخى كفالة حماية النظام العام الدولي. وبالتالي فإن أي انتهاك للقواعد الدولية الآمرة هو مسّ بالنظام العام الدولي، بل يمس بطريقة أو بأخرى بالأسس المشتركة للمجتمع الدولي بأسره.

وإذا كان المجتمع الدولي يتسم بتفاوت قُدرات الدول ويُعاني من بعض مظاهر التفكك، فإن هناك شعورا متناميا بين أعضائه بضرورة التعاون وتضافر الجهود لصون مصالحهم المشتركة، عن طريق الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي. ذلك أنه بدون احترام القانون الدولي والتقيد بأحكامه يصبح مُجرد تعبير عن مبادئ مثالية وقواعد أخلاقية، ومن ثمّة يتعين على كافة الدول والمنظمات الدولية المساهمة في تطوير مضمونه وتعزيز أسس تطبيقه وتقوية الآليات القضائية، بما يُحقق المصلحة العامة/المشتركة ويسمح بمواجهة التحديات المشتركة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ومن خلال هاته القوة الإلزامية المتزايدة التي يتمتع بها القانون الدولي، فإنه من شأنه أن يلعب دورا فعالا وحاسما في تسوية الخلافات بين الدول، ويوفر الشروط الأساسية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. 

وإلى جانب وظيفته التنظيمية، يسعى القانون الدولي إلى تحقيق غايات إنسانية وحقوقية جلية، حيث يعترف للأفراد والجماعات بحقوق أساسية غير قابلة للتصرف وغير قابلة للتجزئة، وألزم الدول بمجموعة من الواجبات وطوّقها بعدة ضمانات وآليات خاصة لحماية هذه الحقوق وتفعيلها. فالقانون الدولي يقوم في جوهره على بُعد إنساني راسخ ولا يمكن إنكاره، يكمن في تدعيم نطاقه ومجال تدخله من خلال تأطير جُلّ المجالات التي تعد هاجسا مشتركا للمجتمعات الإنسانية، بهدف إرساء أرضية ملائمة لتجسيد قيم التعاون والتضامن بين مختلف الدول والشعوب وإعلاء القيم الإنسانية النبيلة. ويتمثل ذلك بالخصوص في تطوير قواعد وآليات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي للبيئة، وفي تكريس الحماية القانونية للتراث المشترك للإنسانية.

وعند الانتقال من الإطار القانوني الصرف إلى تشخيص الواقع الدولي ورصد ممارسات الدول، فإنه يتم الكشف عن وضع دولي متأزم يتسم بالفوضى واللامبالاة وتسجيل عدة تجاوزات بل وارتكاب انتهاكات واسعة لأحكام القانون الدولي. ويُثير هذا الوضع الدولي المتردي الكثير من التساؤلات بالنسبة للفاعلين الدوليين، ويطرح مجموعة من الإشكالات القانونية على الدارسين حول مدى فعالية القواعد القانونية الدولية في حكم وتنظيم الشؤون الدولية. وبالطبع يعتبر فحص واقع الحياة الدولية محكاًّ حقيقياًّ لقياس مدى إلزامية القاعدة القانونية الدولية، ولهذا تُعَدّ مسألة الاعتراف بالإلزامية القاعدة القانونية على الصعيد الدولي من بين أهم الأسس التي تنطلق منها هذه القاعدة في حكم العلاقات بين الدول، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل حول الطبيعة الحقيقية للمجتمع الدولي في غياب احترام القواعد القانونية الدولية.

ومنذ نهاية الحرب الباردة وتفكك منظومة الدول الاشتراكية واندلاع العديد من الحروب في المنطقة العربية وفي البلقان بأوروبا وفي منطقة البحيرات الكبرى بإفريقيا، والتي كان لها تأثير على مسار تطبيق القانون الدولي. ثم جاءت تداعيات الأحداث الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، والتي كان من بينها التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، ومحاولة إعادة تشكيل النظام الدولي باندلاع العديد من الحروب، بدءا بالحرب الأمريكية على العراق و"آخرها" نشوب الحرب الروسية الأوكرانية منذ فبراير 2022 والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023... والدور المتذبذب لمنظمة الأمم المتحدة ولا سيما ضعف مجلس الأمن في معالجة هذه الأوضاع الخطيرة التي تُهدد الأمن والسلم الدوليين؛ مما جعل العلاقات بين الدول تدخل مرحلة عدم اليقين، أفرزت معها عدّة تساؤلات حارقة تهم في جانب منها فعالية القانون الدولي، وعدم احترام الشرعية الدولية.

أكيد أن الحروب (الأخيرة) أعادت إلى الأذهان وُجود أزمة قيم عميقة، تتعلق بهشاشة المنظمات الدولية العالمية والإقليمية، بل التراخي الواضح في تنشيط أجهزة منظمة الأمم المتحدة، وتعثر مجلس الأمن الدولي في التفاعل مع هذه الأزمات المتعددة وذات الأبعاد الأمنية الخطيرة، والتردد (المقصود) في تشغيل الآليات الدولية المتنوعة لإيجاد حلول عادلة للقضايا الدولية المطروحة وإرساء أُسس سلام دائم. كما يُلاحظ تباطؤ وعدم الحسم من طرف القضاء الدولي، سواء تعلق الأمر بمحكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية، فيما يخص تحريك المسؤولية الدولية للدول والتسوية النهائية للنزاعات الدولية، أو فيما يخص ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية لتحقيق العدالة لصالح ضحايا الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وجبر الأضرار ووضع حدّ لعدم الإفلات من العقاب. 

ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان اعتماد بعض الدول والمنظمات الدولية لسياسة الكيل بمكيالين وتبني ازدواجية المعايير، حيث يطبق القانون في مكان دون آخر وفي مناسبة دون أخرى، حسب إرادة القوى المالكة لزمام السلطة في العلاقات بين الدول. فليس هناك اتفاق موحد حول المقصود بحق الدّفاع الشرعي عن النّفس، وأضحى نظام الأمن الجماعي المُنظم بموجب ميثاق الأمم المتحدة محل الكثير من النّقد والامتعاض وانعدام الرضا بشأن نجاعته فيما يتعلق بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كما سَادَ التّشكيك بشأن غياب الجزاء في القانون الدولي وشُروط (ضوابط) تحريك المسؤولية الدولية بشأن العديد من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي عموما، والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على وجه الخصوص.

في خضمّ المتغيرات الجديدة التي تشهدها العلاقات بين الدول في الوقت الراهن، فإن الدول مع ذلك لا زالت تُعلن تمسكها بالقانون الدولي، كما يُؤكد ذلك اللجوء المكثف لعرض خلافاتها على التحكيم الدولي والقضاء الدولي. بل ظلت بعض الدول تدافع عن احترام الشرعية الدولية وتعمل جاهدة لتصحيح مسارها، وإيجاد السّبل لتفعيلها من خلال الآليات القضائية الدولية. فكل هذه المتغيرات تساؤل مصير القانون الدولي، وهل يُعاني من أزمة فعلية مما يُفرغه من محتواه، أم أنه يَمُرّ فقط بمرحلة انتقالية، قد تفتح الباب أمام آفاق واعدة لتطبيق القانون الدولي وإعلاء سيادة القانون وإرساء العدالة المنشودة.

في ظلّ هذا الوضع الدولي المتقلب واستمرار انتهاكات القانون الدولي عموما والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بالخصوص، تطرح بإلحاح مُساءلة القانون الدولي بشأن معالجة الوضع الدولي المتردي في المنطقة العربية، الناجمة عن تدخل القوى الأجنبية لتفتيت المنطقة العربية وإضعاف قدرات دول المنطقة واستنزاف خيراتها. والناجمة كذلك عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، والجرائم الدولية الخطيرة التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الشّعب الفلسطيني. بالمقابل يُلاحظ استقواء "إسرائيل" بحلفائها الغربيين قصد التّنكر للحقوق المشروعة للشّعب الفلسطيني، واعتماد أُسلوب القوة العسكرية في التّعاطي مع المطالب العربية وعدم احترام القانون الدولي، وما تفرضه الشّرعية الدولية. لعلّ من الواجب علينا اليوم -كأكاديميين ومُتخصّصين وبكل حياد وموضوعية- الشّروع في تقييم مسيرة القانون الدولي بشكل عام، سواء فيما يخص الجوانب المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، أو مختلف الميادين التي تفرعت عن القانون الدولي العام، من خلال التفكير وتحليل إشكالية فعالية القانون الدولي في النظام الدولي المعاصر.

وبناء على هذه المُحددات، تقترح هذه الورقة المرجعية كأرضية لمشروع تحرير مؤلف جماعي، يُجيب على مجموعة من التّساؤلات الجوهرية التي تطرحها إشكالية فعالية القانون الدولي في النظام الدولي المعاصر. وينطلق مشروع هذا المؤلف الجماعي من راهنية موضوع فعالية القانون الدولي، والأهمية البالغة التي يكتسيها في الحياة القانونية للدول والشّعوب معا(قانون الشّعوب). وبالتأكيد فإن قواعد القانون الدولي إذا لم يتم تطبيقها ستظل حبرا على ورق وستفقد مصداقيتها، مما سيقوّض أُسس الأمن والسلم الدوليين وتحقيق العدالة الشاملة. ومن شأن الالتزام بالقانون الدولي والحرص على أكبر قدر من الفاعلية الممكنة لقواعده، أن يساهم في الحدّ من الظلم والتمسك بسيادة القانون للوقوف أمام تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة، وضمان العدل والمساواة بين كل البشر واستتباب الأمن والسلام والتقدم والرّفاه للشّعوب.

والغرض من هذه المُبادرة هو فتح الباب أمام الباحثين العرب المتخصصين (وغيرهم من الدول "الأجنبية") في مختلف مجالات/حقول القانون الدولي، للمساهمة بتحليلاتهم وتعميق تفكيرهم وتركيز جهودهم البحثية، حول أحد المواضيع ذات العلاقة بفعالية القانون الدولي عموما، أو بارتباط مع القضايا الدولية التي تهم المنطقة العربية. وتهدف هذه المبادرة العلمية إلى إنتاج مؤلف مرجعي يُراعي نوعية التخصص الأكاديمي ويحرص على استثمار المعارف العلمية المرتبطة بالقانون الدولي، ويستحضر القيم الإنسانية والمشترك الحضاري للدّفاع عن القضايا العربية العادلة، من خلال تقاطعات المنطلقات الفكرية وتكامل زوايا الاشتغال؛ في أُفق تقديم اقتراحات وتوصيات لإثراء البحث في هذا الحقل المعرفي. كما أن هذه المبادرة نابعة من الرغبة في تعزيز التشبيك العلمي والحرص على العمل الأكاديمي الرصين والمثمر والفعّال، يكون من نتائجه توفير كتاب مرجعي يُغني خزانة البحوث العربية المتخصصة في القانون الدولي.

وانطلاقا من هذه المرجعيات، يقترح مشروع الكتاب العربي للقانون الدولي المخصص لموضوع: "القانون الدولي وسُؤال الفعالية"، أن يطرح على الباحثين المتخصصين المهتمين بهذا الموضوع المشاركة فيه بورقة بحثية قابلة للتحكيم، تُعالج ما سبق من أفكار أو تطرح أفكاراً أخرى ذات صلة بالموضوع في إطار القضايا الرئيسة المعروضة للتفكير والتحليل والنقد وهي كالتالي:

المحور الأول: العوامل المُؤطرة لفاعلية القانون الدولي

  •  فلسفة القانون الدولي والمصالح الدولية (الراهنة)

  • المبادئ والقواعد التأسيسية لإلزامية القانون الدولي

  • سيادة القانون في النظام الدولي وعلاقته بسيادة الدول

  •  مكانة القواعد الآمرة ودورها في تعزيز النظام القانوني الدولي

  • تحريك المسؤولية الدولية (الجنائية) وتفعيل قواعد القانون الدولي

  • الجرائم الدولية وجبر الأضرار في القانون الدولي

المحور الثاني: فعالية القانون الدولي في النظام الدولي 

  •  اتساع نطاق النزاعات الدولية ومدى الالتزام بالشرعية الدولية

  • نظام الأمن الجماعي، وفعلية الحفاظ على السلم والأمن الدوليين

  • طبيعة تفاعل منظمة الأمم المتحدة مع مختلف التحديات الدولية (الجديدة)

  •  مدى نجاح مجلس الأمن والجمعية العامة في إيجاد حلول ناجعة للأزمات الإنسانية

  •  دور القضاء الدولي في حلّ الخلافات بين الدول، وتحقيق العدالة المنشودة


المحور الثالث: فعالية القانون الدولي وتطبيقاته في المنطقة العربية

  • ضُعف فعالية القانون الدولي بشأن معالجة القضايا العربية

  • ازدواجية المعايير الدولية، والكيْل بمكيالين في النظام القانوني الدولي

  • فعالية القانون الدولي وتناقض المصالح بين الدول

  • ضعف منظمة الأمم المتحدة في التفاعل مع الأزمات الطارئة في المنطقة العربية

  • تعثر مجلس الأمن الدولي في إيجاد حلول ناجعة للأزمات الخطيرة في المنطقة العربية

  • مدى اختصاص محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية في معالجة القضايا العربية (الراهنة)


المحور الرابع: رُؤية استشرافية لمستقبل تفعيل القانون الدولي في القضايا الدولية الراهنة

  • مدى مواكبة قواعد ومعايير القانون الدولي لمعالجة التحديات الدولية (الجديدة)

  • آفاق تعديل المنظومة القانونية الدولية الراهنة لكفالة احترام القانون الدول

  •  مستقبل إصلاح منظمة الأمم المتحدة قصد إيجاد حلول ناجعة للأزمات الدولية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين

  • الأدوار الجديدة لمحكمة العدل الدولية في حلّ الخلافات بين الدول (ترسيم الحُدود الدولية، والقضايا البيئية وغيرها)

  • القضاء الجنائي الدولي وحماية المبادئ الإنسانية/الكونية. 


 تواريخ تنظيمية

  • 31 ماي 2024 آخر أجل لتلقي ملخصات الدراسات/ المقالات؛

  • 31 أكتوبر 2024 آخر أجل لإرسال الدراسات/ المقالات كاملة.


 ملاحظات هامة

  • يمكن إرسال الملخصات والدراسات/ المقالات كاملة عبر البريد الالكتروني:

arjil.org@gmail.com 

  •  تُقبل الملخصات والدراسات/المقالات كاملة باللغات: العربية- الإنجليزية- الفرنسية.



القصد الجنائي الخاص لإبادة الجماعات المحمية، التفسير القانوني والقضائي المقارن

ARJIL TM



القصد الجنائي الخاص لإبادة الجماعات المحمية، التفسير القانوني والقضائي المقارن

The Special Criminal Intent for Genocide, Legal and Comparative Judicial Interpretation

د.لحبيب النعيمي، باحث مهتم بالعدالة الجنائية الدولية (المغرب)

 Dr. Naaimi Lahbib, Researcher Interested in International Criminal Justice (Morocco)


Abstract

This paper explores the complexities of advocating for international recognition of atrocities against

protected groups, balancing political and legal considerations. It examines how legal and judicial

advocacy can influence international perceptions. Emphasizing the need for legitimate arguments

under international law, the paper focuses on the specific challenges of proving genocide, particularly

regarding criminal intent. It aims to clarify these requirements, develop a coherent legal rhetoric,

and mobilize support for recognizing the genocide of protected groups in the Arab region under

the UN Convention for the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide.


Keywords: Special Criminal Intent, Genocide, International Criminal Law, Protected Groups


ملخص

ما بين وصف مأساة بعض الجماعات المحمية بالإبادة الجماعية كأدب سياسي، والسعي الحثيث نحو نيل الاعتراف الدولي بحجم تلك

الفظاعات، من مدخل المناصرة المدنية والترافع القانوني والقضائي أمام المجتمع الدولي ومؤسساته، يطل متغير الشرعية كقوة دفع

لمسار المحاججة والاقناع بأدوات القانون الدولي وحقوق الانسان. لكن المهمة ليست بتلك السهولة المتخيلة! فعتبة المتطلبات القانونية

دقيقة جدا، لا من حيث توصيف الجماعة المستهدفة بالفعل الابادي، أو بتحديد القصد الجنائي الخاص كركن معنوي حاسم لتثبيت

جريمة الابادة الجماعية وفق أدبيات القانون الدولي الجنائي. تأتي اذا، هذه الورقة العلمية كمحاولة لتفكيك تلك المتطلبات واستجلاء

عناصرها الدالة، في أفق بناء خطاب متماسك وبلغة القانون الدولي للانتصاف وحشد المؤازرة أمام مؤسسات المجتمع الدولي الفاعلة،

لنيل الاعتراف بالإبادة الجماعية للجماعات المحمية على الاقليم العربي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ابادة الجنس البشري والمعاقبة

عليها، ما يخدم الحقيقة ثم جبر الضرر بمختلف مداخله للضحايا.


الكلمات المفاتيح:القصد الجنائي الخاص، الإبادة الجماعية، القانون الدولي الجنائي، الجماعات المحمية



تحميل المقال

Thursday, February 29, 2024

العدد السنوي الرابع للكتاب العربي للقانون الدولي

ARJIL TM


 يشتمل هذا العدد على مساهمات ثلة من الأساتذة الباحثين والمهتمين بقضايا البيئة وحقوق الإنسان، توزعت بين دراسات ميدانية لبعض المجالات البيئية المحلية، ومقالات تحليلية –باللغتين العربية والإنجليزية- للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والقانونية للمسألة البيئية:

الدراسة الميدانية الأولى، للباحث رحموني فريد تحت عنوان: الإكراهات البيئية بالمجالات الهشة: الثابت والمتغير (المجال الواحي لفجيج أنموذجا)، ركز فيها الباحث على الإشكالية المتعلقة بالإكراهات التي أصبحت تواجهها المنظومة البيئية الواحية بفجيج، وانعكاس ذلك على النظم التقليدية الضاربة بجذورها في التّاريخ. لقد حاول الباحث أن يُقارب موضوع الإكراهات تلك من خلال دراسة ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في التغايرية المناخية، وتدهور الغطاء النباتي وتصحر الأراضي، وأخيرا أزمة الموارد المائية وتراجع النظم التقليدية لاستغلاله.

الدراسة الميدانية الثانية، للباحث زروالي عدنان من الكلية المتعددة التخصصات بالناظور (المغرب) بعنوان: "أثر تغير المناخ على شجرة الأركان في منطقة بني يزناسن"، أكد الباحث أن شجرة الأركان ليست منحصرة في جنوب المغرب كما هو شائع لدى عامة الناس، وإنما توجد منذ القدم في المنطقة الشرقية للمغرب أيضا وتحديدا في عمالة بركان، وهي تحتل مكانة هامة لدى ساكنة المنطقة. إلا أن التغيرات المناخية التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة، والعامل البشري المتمثل في الاستغلال الجائر... كان لهما بالغ الأثر في انحسار المساحات التي كانت تنمو فيها شجرة الأركان. وقد عزز الباحث ملاحظاته بالعديد من الإحصائيات التي تؤكد النتائج التي توصل إليها، كما اقترح الباحث استراتيجية للحفاظ على هذا الموروث الذي أدى وما يزال وظيفة هامة في الحياة الاقتصادية لسكان المنطقة.

الدراسة الثالثة، للباحث الحبيب استاتي زين الدين من جامعة القاضي عياض بمراكش الموسومة بـ: "الحركات البيئية ورهان العدالة الاجتماعية". تناولت سياق ظهور الحركات البيئية وتطورها، والمهام التي اضطلعت بها دفاعا عن البيئة وعن العدالة الإيكولوجية. وناقشت الدراسة كيف أن العدالة الإيكولوجية وطيدة الصلة بالعدالة الاجتماعية، بحيث أن الحركات البيئية تستند في عملها إلى قيم ومفاهيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وأن اللاّمساواة الاجتماعية دائما ما تتحول إلى لامساواة إيكولوجية، وهو ما حدا بالباحث إلى استخلاص أنه كلما كان هنالك إقصاء اجتماعي وسياسي مثلا، استتبعته بالضرورة هشاشة بيئية.     

كما تناول أيضا قضية الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي أسهمت في ولادة تلك الحركات البيئية، لينتقل أخيرا للحديث عن واقع الحركات البيئية في المنطقة العربية، خصوصا في المغرب وتونس ولبنان. وتساءل عن مدى قدرة تلك الحركات على الفعل والتأثير بالمقارنة مع ما هو حاصل في الدول المتقدمة، وذلك بالنظر إلى العوائق الكثيرة التي تقف في طريقها والمتمثلة أساسا في ضُعف الخلفية الفكرية الكفيلة بنشر الوعي البيئي وتعميمه بين الناس...

الدراسة الرابعة لصاحبها مولاي هشام الأمراني عالجت قضية "العدالة الإيكولوجية على المستوى الدولي"، حيث أشار إلى أن المخاطر البيئية ليست موزعة بشكل عادل خاصة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، فالذين يلوثون أقل هم من يعانون أكثر. كما ركّز الباحث على الاستراتيجية التي ينبغي تبنيها من قبل السلطات العامة من أجل ضمان حوكمة جيدة لموضوع البيئة. وفي هذا الصدد، تطرق الباحث إلى عدد من القضايا والأسئلة المتعلقة بالموارد التي ينبغي تعبئتها من أجل تحقيق العدالة الإيكولوجية. 

في السياق نفسه، وخاصة ما يتعلق بالمخاطر البيئية وتوزيعها غير العادل بين الدول، تناول الأستاذان شكراني الحسين وسمير الفراع في المقال الخامس ضمن هذا العدد، " التغيرات المناخية و الجريمة البيئية في أفريقيا: التداعيات والتحديات"، خاصة مع فتح الحدود الوطنية أمام الرأسمال الأجنبي، وازدياد عمليات التصدير والاستيراد...حاول الباحثان في هذا المقال تحديد مفهوم الجريمة أو الإبادة البيئية ecocide، ثم انتقلا للحديث عن التحديات التي تفرضها تلك الجرائم على الصعيد العالمي والإفريقي خاصة، كون أن بعض الدول المتقدمة مثلا والتي تعد من أكبر المسؤولين عن انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم هي الأقل تضررا من التغير المناخي. وهذا من جهته يفتح قضية العدالة البيئية على مصراعيها، وكيف أن بعض القوى العالمية متمثلة أساسا في الشركات متعددة الجنسيات والمسؤولة عن العديد من تلك الجرائم ما تزال إلى يومنا هذا تتمتع بالإفلات من العقاب. وبهذا الخصوص، يطرح الباحثان مسألة دور القضاء في مواجهة الجريمة البيئية سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو الوطني، ومدى قدرة الهيئات القضائية الدولية والإقليمية على محاربة الجريمة البيئية، مع التطرق بهذا الخصوص إلى تجارب المحكمة الجنائية الدولية، التي تقتصر كما هو واضح من قانون روما الأساسي، على محاكمة الجرائم البيئية التي تقع في وقت الحرب، وكيف أن هذا الأمر يشكل عرقلة كبيرة أما تتبع ومحاكمة مرتكبي الجرائم البيئية، ما دام أن تلك الجرائم تقع في الغالب في أوقات السلم وليس في أوقات الحرب. كما جرت الإشارة إلى بعض القضايا ذات العلاقة بالجرائم البيئية والتي تم عرضها على محكمة العدل الدولية بلاهاي. كما تناول الباحثان قضية التعاون الدولي والآليات التي من شأنها المساهمة في محاربة الجريمة البيئية وتحقيق العدالة البيئية؛ وأشار الباحثان إلى العديد من المشاريع على المستوى الدولي التي حاولت الإجابة عن مسألة الجرائم البيئية وحماية العالم من التغير المناخي.

وفي سبيل الإحاطة أكثر بالمسألة البيئية من الناحية التاريخية، تناول المقال السادس للباحث دنار إبراهيم من جامعة الحسن الأول بسطات، موضوعا بعنوان: "السؤال البيئي في تاريخ الفكر الاقتصادي"، عالج فيه مدى حضور السؤال البيئي في الفكر الاقتصادي منذ الإغريق، مرورا بالفكر الاقتصادي العربي، وصولا إلى الفكر الاقتصادي المعاصر. لقد حاول الباحث التركيز على المكانة التي أصبحت تحتلها المسألة البيئية اليوم على عكس ما كان سائدا في الماضي، ذلك بأن الفكر الاقتصادي آنذاك كان يرتكز دائما على الأهداف الأربعة لنيكولا كالدور والمتمثلة أساسا في القضايا المتعلقة بالتضخم، والنمو، والشغل، والتوازنات.

تناولت الدراسة السابعة في هذا العدد مسألة "تقييد الحقوق والحريات الأساسية في القانون الدولي والإقليمي والوطني"، حاول الباحث خلفدير هشام من خلالها تسليط الضوء على الآليات والتقنيات المستخدمة في تقييد الحقوق والحريات سواء على المستوى الدولي أو الوطني. فيما يرتبط بالمستوى الدولي، قام الباحث بدراسة وتحليل العديد من الاتفاقيات الدولية التي لها علاقة مباشرة بحقوق الإنسان من قبيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966؛ أما على المستوى الإقليمي فتطرق للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981؛ أما على المستوى الوطني، فتطرق الباحث للإشكالية المتعلقة بدمج الحقوق والحريات المعترف بها على الصعيدين الدولي والإقليمي في النظام القانوني الوطني وكيف أن تلك القوانين غالبا ما يجري تقييدها باستخدام شمّاعة النظام العام والأمن العام. وفي هذا الصدد، قام الباحث بتحليل العديد من النصوص القانونية التي قد تؤول إلى تقييد الحقوق والحريات، أو تحمل في طياتها قيودا معينة قد يكون لها أثر بالغ في تكبيل الحريات العامة، وعلى رأسها الدستور باعتباره أسمى وثيقة. 

الدراسة الثامنة -ما قبل الأخيرة في هذا العدد- بعنوان: "الملكية وتطور التعددية الحزبية في المغرب"، للباحث أحمد حالي من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق؛ تناول فيها الباحث إشكالية التعددية الحزبية في المغرب في ظل الملكية التنفيذية، محاولا مقاربة تلك الإشكالية بدءا بالإطار القانوني الذي ينظم عمل الأحزاب السياسية، ومعرّجا على بعض العوائق التي تقف في وجه تأسيس الأحزاب السياسية المغربية. وفي مرحلة ثانية حاول أن يرصد طبيعة العلاقة التي ربطت الأحزاب المغربية بالملكية، والتي غالبا ما كان يغلب عليها طابع الهيمنة والصراع على السلطة. ونظرا لطبيعة تلك العلاقة، مرت الأحزاب السياسية في المغرب بثلاثة مراحل مفصلية في الحياة السياسية لتلك الأحزاب: مرحلة الاستقلال والتجذّر في المجتمع، ومرحلة التكيف مع الأمر الواقع وتقديم التنازلات، وأخيرا مرحلة تراجع وانحدار معظم الأحزاب السياسية المغربية. وفي مرحلة ثالثة، حاول الباحث أن يرصد آثر تلك التطورات على الأحزاب السياسية في المغرب، وبخاصة ما له علاقة بالإدارة الداخلية لتلك الأحزاب وما شهدته من انشقاقات تبعا لذلك؛ وهو الشيء الذي كان لها بالغ الأثر في المسار الديمقراطي وعلى المجتمع المغربي بصفة عامة.

الدراسة التاسعة التي نختم بها مواد هذا العدد، للباحث بورحيم ربيع بعنوان: "الخطوط العريضة لعلم الاجتماع القانوني للإنتاج المزدوج للمعايير: حالة القانون الجماعي للأطلس المتوسط والكبير"، تناول فيها قضية الإنتاج المزدوج للمعايير القانونية من قبل الدولة وبعض الجماعات القاطنة بمنطقة الأطلس. في هذا الإطار، تطرق في البداية إلى أهمية علم الاجتماع القانوني ونظرته إلى تعدد المعايير القانونية السائدة في بعض المجتمعات ذات التنوع العرقي والإثني واللغوي... وكيف أن التعدد في المعايير القانونية يعدّ في واقع الأمر عامل استقرار وتوازن بالنسبة لتلك المجتمعات، وذلك أمر بدهي، بحسب الباحث، ما دام أن المعايير التي على أساسها يجري تنظيم مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تخضع في واقع الأمر إلى التفاوض، وإلى الاتفاقيات والتسويات والمواثيق التي يتفق حولها الممثلون الحقيقيون لتلك الجماعات. ثم قام الباحث بدراسة بعض المعايير المحلية المتفاوض حولها والسائدة في بعض الجماعات القاطنة بمنطقة الأطلس، وكيف أن المعايير المتفاوض بشأنها هي في نظر تلك الجماعات أكثر أهمية من المعايير القانونية الآتية من الخارج، ما دامت وليدة تلك المجتمعات وهي، في نهاية المطاف، تنسجم لا محالة مع ثقافات أفراد تلك الجماعات وممارساتها وتطلعاتها.


تحميل العدد

تحميل المقال الملحق

Copyrights @ 2020, Yara Help