بعدما ظل الشك لفترة
طويلة يحوم حول مسألة التغيرات المناخية، أصبحت هذه التغيرات أمرا واقعا ومُثبتا
علميا. وبصعوبة بالغة بدأ فهم تأثيرها على بيئتنا، وعلى نوعية حياتنا. فرغم التقدم
العلمي المضطرد والمنظم، لاتزال العديد من المواضيع المرتبطة بالتغيرات المناخية
غير مستكشفة بشكل كامل وبالتالي تفتقر إلى بحوث معمقة وتحقيقات مستمرة، الأمر الذي
أدى إلى العديد من الخلافات حول تنفيذ الحلول بشأن التغيرات المناخية.
ظهرت السياسات العامة على
مستوى الدول والمجتمع الدولي بشأن التغيرات المناخية، ولكن لم تكن في مستوى
التحديات المثارة.
لذلك يطرح سؤال كيف يمكن وقف التغيرات المناخية، أو على الأقل الحدّ من تأثيراتها
وتداعياتها المستمرة وهل ستكون التدابير المتخذة في مختلف المؤتمرات الدولية مثل
كيوتو(1997) أو كوبنهاغن(2009) أو باريس (2015) كافية لوقف آلة تدمير البيئة؟ طبعا،
هذا غير مؤكد لأن التدابير المتخذة ضعيفة وتظل خاضعة لمنطق حسن نوايا الدول.
وبعبارة أخرى، يمكن لموقف سلبي لدولة قوية واحدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية
أن يقوض مخرجات تلك المؤتمرات والاتفاقيات الدولية بشكل كبير. ولكن ماذا لو كانت
التكنولوجيا قادرة على علاج قضايا التغيرات المناخية الكونية؟ الهندسة الجيولوجية
(التلاعب المتعمّد بالمناخ) هي أحد الحلول المستكشفة لمعالجة هذه المشكلة[1].
إن التحدي الرئيسي للعلم
والجغرافيا السياسية هو تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية، الذي يؤثر على عدد
متزايد من الأوساط البحثية والشّركاء والجهات السياسية الفاعلة. وعلى نفس
المنوال لعبت هيئة حكومية دولية فريدة من نوعها والمعروفة بالهيئة ما بين الحكومية
المعنية بالتغيرات المناخية (IPCC) دورا حاسما في إعادة تشكيل الميدان، وهي تميل الآن لتصبح مثالا
للخبرة الدولية في مجال التغيرات المناخية. واليوم، تجري مناقشة هذا الانضباط
بصورة متزايدة في الأوساط العلمية[2].
وتشير تقديرات منظمة
الأمم المتحدة إلى أن آخر تقييم علمي لاستنفاد الأوزون، أجري في العام 2018، إذ بَيّن
أن أجزاء من طبقة الأوزون قد تعافت بمعدل 1% إلى 3% منذ العام 2000. وبمعدل متوقع،
فإن الأوزون في نصف الكرة الشمالي سوف يتعافى بالكامل بحلول عام 2030. وسوف يليه
نصف الكرة الجنوبي في عام 2050 والمناطق القطبية بحلول عام [3]2060. بيد أن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تدعو إلى "عدم التّهاون"
بشأن طبقة الأوزون لأن تغير المناخ قد يؤدي إلى إبطاء انتعاشها[4].
وقد أبرز وباء كوفيد 19 الحالي العلاقات المجالية الوثيقة بين النظم
الإيكولوجية والأنشطة البشرية والصحة من نواح عديدة. وفي هذا الصّدد،
كانت تأثيرات تغير المناخ على الصحة موضع نقاش كبير؛ ويجب النظر إلى تغير المناخ
قبل كل شيء على أنه عامل يضخم المشاكل الصحية القائمة ويزيد من تفاقمها[5].
فمنذ بُروز
العلامات الأولى لتغير المناخ، واجهت الدول ذلك التحدي بواسطة استراتيجيتين:
التخفيف أو التكيف[6]. وبعبارة أخرى يجب معالجة المصادر البشرية المسببة للتحولات
المناخية لتصل إلى أدنى مستوياتها أو التكيف مع تغير المناخ. والواقع أن العقود
الأخيرة كانت تركز بشكل خاص على استراتيجية التخفيف من آثار تغير المناخ من خلال
إنشاء نظام دولي للتحكم في انبعاثات غازات الدفيئة. ومن الواضح أن النتائج التي تم
الحصول عليها باختيار الاستراتيجية الأولى تُجبر الدول الآن على التفكير بجدية في استراتيجية التكيف، والتي تتكون أيضًا من التأقلم
مع تغير المناخ.
يُحدد اتفاق باريس
للمناخ، الموقّع في 12 كانون الأول/ديسمبر 2015 في نهاية مؤتمر الأطراف 21، هدف
الحدّ من الاحترار العالمي بدرجة أدنى بكثير من 2 درجة مئوية، بهدف بلوغ 5،1 درجة مئوية. كما ينص على زيادة ميزانية صندوق المناخ
الأخضر الذي اعتمد في عام 2010 بمناسبة انعقاد مؤتمر كانكون، بهدف الوصول إلى 100
مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 مع تحديد مستوى جديد في العام 2025.
وسيؤدي تشجيع
الاستثمار الأخضر والحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن النّشاط
الاقتصادي التقليدي إلى تغييرات كبيرة في البيئة التنظيمية لجميع القطاعات
الاقتصادية، سواء إنتاج الطاقة أو الزراعة أو النّقل أو الإنتاج الصناعي أو
الخدمات. وعلى نفس المنوال، التزم الاتحاد الأوروبي، من خلال مبادرته "الصفقة
الخضراء الجديدة"، والرئيس الأمريكي جو بايدن، بتحقيق حيادية الكربون
للاقتصادات الأوروبية والأمريكية بحلول العام 2050. الأمر الذي يتطلب خفض انبعاثات
ثاني أكسيد الكربون وانتقال إلى اقتصاد عالمي أخضر، وفي الوقت نفسه، سيتعين اتخاذ
تدابير جذرية لجعل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أكثر كلفة والتخلص
التدريجي من مصادر الطّاقة التقليدية، أي النفط والغاز، أو تخفيضها إلى حد كبير.
ومع ذلك، فإن
النظام القانوني الدولي لتغير المناخ يجابه بطبيعته غير الملزمة وعدم الامتثال
للالتزامات الدولية. وكمثال على ذلك ما يتعلق باتفاق باريس، ففي عام 2019، من
بين 197 دولة صادقت على المعاهدة، لم تعتمد سوى 58 دولة تدابير لخفض انبعاثاتها من
الغازات الدفيئة بحلول العام 2030 ، واتخذت 16 دولة فقط منها الإجراءات المناسبة
فيما يتعلق بالتزاماتها المتعلقة بالمناخ[7].
وسيتيح مؤتمر
الأطراف 26، المقرر عقده في غلاسكو (Glasgow) بالمملكة المتحدة في تشرين
الثاني/نوفمبر 2021، فرصة حاسمة لمناقشة المسائل المتبقية المتعلقة بتنفيذ اتفاق
باريس ووضعها في صيغتها (النهائية).
وعلاوة على ذلك،
ونظرا للطابع القانوني للاتفاق، هناك عدد كبير من القرارات القانونية الثانوية أو
المشتقة(secondary Law)[8] الأكثر تساهلا التي
"تُوصي" و "تدعو الدول" و"تُشجعها" وما إلى
ذلك. بل إن الدول كثيرا ما تفسر المعايير على أنها مجرد مؤشرات أو توجيهات
عامة[9].
ستحتاج الإنسانية
إلى دخول عصر التحول العميق إذا أريد لها أن تواصل الاضطلاع بدور مفيد في حماية
البيئة، ويمكن أن يكون من السهل إدماج المفهوم العام لتغير المناخ في
السياسات أو اللوائح العامة ومع ذلك، يبدو أن تحول البراديغم لا مفرّ منه
لجعل تدابير التكيف فعالة وقادرة على زيادة قدرة السكان على التأقلم مع التغيرات
المناخية.
إن التكيف مع تغير
المناخ سوف يتطلب مساهمة حقول معرفية متنوعة تنتمي للعلوم الإنسانية كافة بما في
ذلك العلوم السياسية، والعلاقات الدولية، والأمن، والاقتصاد، والهجرة، وتخطيط
استخدام الأراضي، والبيئة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة (TIC) ، وما إلى ذلك.
يؤدي تغير المناخ
العالمي إلى هجرات موسمية وهجرات دائمة، داخليا ودوليا على حد سواء. ورغم أن
التمييز بين اللاجئين السياسيين والمهاجرين الاقتصاديين والمهاجرين البيئيين يتسم
بالحساسية، فإن الهيئة مابين الحكومية المعنية بتغير المناخ تتوقع أن يضطر 150
مليون شخص إلى التنقل بحلول العام 2050، بسبب الاحترار العالمي وتغير المناخ[10]. تخمن المنظمة
الدولية للهجرة (IOM) أن هناك 200 مليون
مهاجر بيئي[11].غير أنه لا يوجد إلى حدود اليوم أي آلية قانونية، ولو بشكل غير مباشر، تضمن حماية
هؤلاء المهاجرين.
وقد كان لتغير المناخ آثار خطيرة لا رجعة فيها على النّظم
الطبيعية التي تدعم استدامة رفاهية الإنسان. ولن يؤدي تغير المناخ إلى تدمير الرأس
المال البشري والمادي فحسب، بل سيسبب أيضا تغييرات هائلة في النظم الإيكولوجية
والأنشطة الاقتصادية[12].
ومسؤولية الشركات عن زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة
مهمة، لا سيما في قطاعات الطاقة والصناعة والعقارات والنقل. إن قطاع العقارات، من
خلال استهلاكه للطاقة في المقام الأول، مسؤول على نحو 40% من الانبعاثات العالمية
للغازات الدفيئة[13].
ويرى الخبراء أن قطاع الطاقة مسؤول أيضا عن ثلثي مجموع انبعاثات الغازات الدفيئة
الحالية[14].
ولذلك فإن زيادة الاحتياجات من الطاقة ستكون لها آثار لا رجعة فيها على المناخ إذا
لم نتحرك نحو مصادر طاقة محايدة للكربون. وكذلك فإن قطاع النقل الجوي معني بشكل
خاص بانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، إذ يساهم حاليا بــ 2% من الانبعاثات العالمية
الاجمالية. ووفقاً لتوقعات سيناريو منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) من المتوقع أن ترتفع
انبعاثات غازات الدفيئة في القطاع بنسبة 300% بحلول عام [15]2050.
فكيف يمكن للشركات أن تخفض انبعاثاتها؟ وما هي الأدوات الأكثر ملاءمة (الحوافز أو
القيود، والأدوات القانونية أو الاقتصادية، والتنظيمية أو الذاتية التنظيم)؟ وكيف يمكن
فهم الشركات المتعددة الجنسيات بشكل أفضل من الناحية القانونية؟ وما هي التحديات الخاصة
بالقارة الأفريقية؟
مواعيد هامة:
- 10 شتنبر 2021: آخر أجل لتقديم
الملخص (300 كلمة تجيب عن الأسئلة الثلاث: ماذا؟ لماذا؟ وكيف؟) يتضمن الإسم الكامل
للباحث/ة، البريد الإلكتروني، المؤسسة ونبذة شخصية مختصرة؛
- 25 شتنبر 2021: إشعار للملخصات المقبولة، وإرسال دليل الكتابة الخاص بالكتاب
العربي للقانون الدولي؛
- 31 دجنبر 2021: تقديم
الأوراق كاملة؛
- 2022: نشر الأوراق المقبولة
ضمن مؤلفات الكتاب العربي للقانون الدولي؛
ملحوظة: لا يمكن لأصحاب الأوراق
المنشورة المطالبة بأي امتياز مادي عن النّشر.
تُرسل الأوراق الأولية
والنهائية إلى البريد الإلكتروني التالي:
[1] Ait
Ali Nadia, La géo-ingénierie climatique : approche complémentaire ou
contradictoire aux efforts d’atténuation des émissions de gaz à effet de serre ?,
consulté le 18/5/2021 sur https://savoirs.usherbrooke.ca/handle/11143/15025
[2] Dalmedico
Amy Dahan & Guillemot Hélène, « Changement
climatique : Dynamiques scientifiques, expertise, enjeux géopolitiques », Sociologie
du travail [Online], Vol. 48 - n° 3 | Juillet-Septembre
2006, Online since 21 March 2008, connection on 18 May 2021. URL :
http://journals.openedition.org/sdt/24798
[3] « La
couche d’ozone est sur la voie de la guérison mais il faut rester vigilant
(ONU), consulté le 18/05/2021 sur https://news.un.org/fr/story/2019/09/1051682.
[4] Les
changements climatiques retarderont le rétablissement de la couche d’ozone,
consulté le 18/05/2021 sur https://bit.ly/3bAKdn5
[5] Mcmichael A.J. & al., Climate
change and the health of nations: famines, fevers, and the fate of populations
(New York: Oxford University Press, 2017).
[6] Richard
Elsa, L’adaptation aux changements climatiques (Paris : PU Rennes,
201).
[7] Claudia
Cohen, Accord de Paris : pourquoi les pays ne sont pas à la hauteur de
leurs engagements, consulté le 18/05/2021 sur https://bit.ly/3v12kdw
[8] El
Bazzim Rachid, La nature juridique des CDN, in Chougrani Elhoucine et Ghali Mohammed,
Changements climatiques : vers une compréhension des conflits et des
stratégies climatiques (Marrakech, MOROFUGE, centre Cadi Ayyad pour le
développement, 2018), pp. 33-64.
[9] Lassus
saint — Geniès Géraud, Droit international du climat et aspect économique du
défi climatique (Paris : Éditions A. Pedone, 2017), p.72.
[10] Capelle, Guillaume. « Migrations et environnement. L’État confronté
au changement climatique », Thierry de Montbrial éd., Gouverner aujourd’hui ?
Ramses 2013. Institut français des relations internationales, 2012,
pp. 44-47
[11] Baher
Kamal, Climate Migrants Might Reach One Billion by 2050, consulté le 18/5/2021
sur https://reliefweb.int/report/world/climate-migrants-might-reach-one-billion-2050
[12] Dogru & al., “Climate
change: Vulnerability and resilience of tourism and the entire economy”, Tourism
Management, vol. 72, 2019, pp. 292-305.
[13] UNEP,
Les émissions du secteur du bâtiment ont atteint un niveau record, mais la
reprise à faible intensité de carbone après la pandémie peut…, consulté le
18/5/2021 sur
https://www.unep.org/fr/actualites-et-recits/communique-de-presse/les-emissions-du-secteur-du-batiment-ont-atteint-un
[14]L’énergie dans le
monde, consulté le 18/05/2021 sur https://www.missionenergie.goodplanet.org/fiche/lenergie-dans-le-monde-2/
[15] Transport
aérien : lancement d’une feuille de route pour développer des
biocarburants de 2e génération, consulté le 18/05/2021 sur
https://www.citepa.org/fr/2020_01_a08/